كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والضمير في قوله: (ورده) راجع إلىلمركب بنعيه وهذا هو الحق. فلا تنهض الحجة بقول الشافعي إن العلة في تحريم الربا في البر الطعم- على الحنفي والحنبلي القائِلينِ إنها الكيل كالعكس وهكذا. أما في حق المجتهد ومقلِّديه فظنه المذكور حجة ناهضة له ولمقلديه. واعلم أن لحصر اوصاف المحل طِرقًا.
منها أنْ يكون الحصر عقليًا كما قدمنا في آية {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون} [الطور: 35]. وكقولك: إما أنْ يكون النَّبي صلى الله عليه وسلم عالمًا بهذا الأمر الذي تدعوا الناس إليه أو غير عالم به: كما يأتي إيضاحه. فأوصاف المحل محصورة في الأمرين المذكورين إذا لا ثالث البتة. أنه لا واسطة بين الشيء ونقيضه كما هو معروف. ومنها أن يدل على الحصر المذكور إجماع. ومثل بعض الأصوليين بإجبار البكر البالغة على النكاح عند من يقول به. فإن علة الإجبار إما الجهل بالمصالح، وأما البكارة: فإن ق لالمعترض: أين دليل حصر الأوصاف في الأمرين؟ أجيب- بأنه الإجماع على عدم التعليل بغيرهمان فلو ادعى المستدل حصر أوصاف المحل، فقال المعترض: أين دليل الحصر؟ فقال المستدلك بحثتُ بحثًا تامًا عن أوصاف المحل فلم أجد غير ما ذكرت، أو قال: الأصل عدم غير ما ذكرت، فالصحيح أن هذا يكفيه في إثبات الحصر. فإن قال المعترض: أنا أعلم وصفًا زائدًا لم تذكره. قيل له: بينه، فإن لم يبينه سقط اعتراضه. وإن بيَّن وصفًا زائدًا على الأوصاف التي ذكرها المستدل بطل حصر المستدل بمجرد إبداء المعترض الوصفَ الزائد. إلا أن يبين المستدل أنه لا يصلح العلية فيكون إذًا وجوده وعدمه سواءً. وقول من قالك أنه لا يكفيه قوله: بحثتُ فلم أجد غير هذا- خلاف التحقيق. وأشار في مراقي السعود إلى هذا المسلك من مسالك العلة بقوله:
والسبر والتقسيم قسم رابع ** أن يحصر الأوصاف فيه جامع

ويبطل الذي لها لا يصلح ** فما بقي تعيينه متضح

معترض الحصر في دفعه يرد ** يحثت ثم بعد بحثي لم أجد

أو انعقاد ما سواها الأصل ** وليس في الحصر لظن حظل

وهو قطعي إذا ما نميا ** للقطع والظني سواه وعيا

حجية الظني عند الأكثر ** في حق ناظر وفي المناظر

إن يبد وصفًا زائدًا معترض ** وفي به دون البيان الغرض

وقطع ذي السبر إذًا منحتم ** والأمر في إبطاله منبهم

وقوله في هذه الأبيات (في حق ناظر وفي المناظر) محله ما لم يدع المناظر علة غير اعلته، وإن ادعاها فلا تكون علة أحدهما حجة على الآخر، كما أوضحناه آنفًا، وكما أشار له بقوله المذكور آنفًا (ورده انتفى..) إلخ.
وإذا حصل حصر أوصاف المحل فإبطال غير الصالح منها له طرق معروفة:
(منها) بيان أو الوصف طردي محض، إما بالنسبة إلى جميع الأحكام كالطول والقصر، البياض والسواد، أو بالنسبة إلى خصوص الحكم المتنازع في ثبوته أو نفيه، كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى بات العتق، فإنه لا فرق في أحكام العتق بين الذكر والأنثى، لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إليه وصفان طرديان وإن كانا غير طرديين في غير العتق كالإرث والشهادة، والقضاءء وولاية النكاح.
فإن الذكر في ذلك ليس كالأنثى. ويعرف كون الوصف طرديًا (اي لا مدخل له في التعليل أصلًا) باستقراء موارد الشرع ومصادره، أما مطلقًا، وإما في بعض الأبواب دون بعضها كما قدمناه آنفًا.
ومثال إبطال الطردي في جميع الأحكام- ما جار في بعض روايات الحديث في المجامع في رمضان. فإن في بعض الروايات أنه أعرابي. وفي بعضها أنهُ جاء ينتف شعره ويضرب صدره. والقاعدة المقّرَّرة في الأصول: أن المثال لا يعترض. لأن المراد منه بيان القاعدة. ويكفي فيه الفرض ومطلق الاحتمال، كما أشار له في مراقي السعود بقوله:
والشأن لا يعترض المثال ** إذ قد كفى الغرض والاحتمال

فإذا عرفت ذلك فاعلم: أنه كونه أعرابيًا، وكونه جاء يضرب صدره ويتنف شعره من أوصف المحل في هذا الحكم وهي أوصاف يجب غبطالها وعدم تعليل وجوب الكفار بها. لأنها أوصاف طردية لا تحصل من إناطة الحكم بها فائدة أصلًا، فالأعرابي وغيره في ذلك سواء. ومن جاء في سكينة ووقار، ومن جاء يضرب صدره وينتف شعره في ذلك سواء أيضًا. ومثال الإبطال يكون الوصف طريدًا في الباب الذي فيه النزاع دون غيرهِ وحديث «من أعتق شركًا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبدِ قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد..» الحديث، وهومتفق عليه من حديث ابن عمر، وقد قدمنا في سورة (الإسراء والكهف) فلفظُ العبد الذكر في هذا الحديث وصف طرديز فمن أعتق شركًا له في أمة فكذلك. لأنه عرف من استقراء الشرع أن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا تناط بهما أحكام العتق، وإن كانت الذكورة والأنوثة غير طرديين في غير العتق كالميراث والشهادة كما تقدم، والوصف الطردي في اصطلاح أهل الأصول: هو ما عُلمَ من الشرع إلغاؤه وعدم اعتباره، لأنه ليس في إناطة الحكم به مصلحة أصلًا فهو خالٍ من المناسبة، ومن طرق الإبطال بعد ثبوت الحصر إلا تظهر للوصف مناسبة. والمناسبة في اصطلاح أهل الأصول: هي كون إناطة الحكم بالوصف تترتب عليها مصلحة فعدم المناسبة المذكورة من طرق إبطاله في مسلك السبر، وإن كان عدم ظهر المناسبة في الوصف لا يبطله في بعض المسالك غير السبر كالإيماء على الأصح والدوران.
فالأحوال ثلاثة:
الأول: أن تظهر المناسبة، وظهورها لابد منه في مسلك السبر ومسلك المناسبة والإخالة.
الثاني: إلا تظهر المناسبة ولا عدمها. وهذا يكفي في الدوران والإيماء على الصحيح.
الثالث: أن يظهر عدم المناسبة، فيكون الوصف طرديًا كما تقدم قريبًا.
ومن طرق الإبطال بعد ثبوت الحصر- كون الوصف ملغي وإن كان مناسبًا للحكم المتانزع فيه، ويكون الإلغاء باستقلال الوصف المستبقي بالحكم دونه في صورة مجمع عليها.
حكاه الفهري. ومثاله- قول الشافعي: إن الكيل والاقتيات ونحو ذلك أوصاف ملغاة بالنسبة إلى تحريم الربا في ملء كفٍّ من البُرِّ. لأنه لا يُكال ولا يُقات لقتله. فعلة تحريم الربا فيه الطعم لاستقلال علة الطعم بالحكم دون غيرهامن الأوصاف في هذه الصورة، والقصد مطلق التمثيل، لا مناقشه الأمثلة.
ومن طرق الإبطال بعد ثبوت الحصر- كونُ الوصف الذي أبقاهُ المستدل متعديًا من محل الحكم إلى غيره، والوصفُ الَّذي يريد المعترض إبقاءَه قاصرٌ على محل الحكم. قال صاحب (الضياء اللامع): وذلك يشبه تعارضَ العلة المتعدية والقاصرة، وهو كما قال، ومثاله: أختلاف الأئَّمة رحمهم الله في علة الكفارة في الإفطار عمدًا في نهار رمضان. فبعضهم يقول: العلة في ذلك خصوص الجماع. وبعضهم يقول: العلة في ذلك انتهاك حرمة رمضان. فكونُ الوصف المعلل به في هذا الحكم الجماع يقتضي عدم التعدي عن محل الحكم إلى غيره، فلا تكون كفارة غلا في الجماع خاصة. وكونه في هذا الحكم انتهاكُ حرمة رمضان يقضي التعدي من محل الحكم إلى غيره، فتلزم الكفارة في الأكل والشرب عمدًا في نهار رمضان بجامع انتهاك حرمة رمضان في الجميع من جمَاع وأكلٍ وشُربٍ، فيترجح هذا الوصف بكونه متعديًا على الآخر لقصوره على حمل الحكم وقصدنا التمثيل لا مناقشة الأمثلة، ولا ينافي ما ذكرنا أن ياتي من يقول: العلة الجِمَاع بمرجحات أخر لعلته، وأشار في مراقي السعود إلى طرق الإبطال المذكورة بقوله:
أبطل لما طردا يرى ويبطل ** غير مناسب له المنخرل

كذلك بالإلغا وإن قد ناسيا ** ويتعدى وصفه الذي اجتبى

هذا هو حاصل كلام أهل الأصول في المقصود عندهم بهذا الدليل الذي هو السبر والتقسيم.
المسألة الرابعة:
اعلم أن المقصود من هذا الدليل المذكور عند المنطقيين يخالف المقصود منه عند الأصوليين والجدليين. فالتقسم عند المنطقيين لا يكون إلا في الوصاف التي بينها تنافٍ وتنافر، وهذا التقسيم هم المعبَّر عنه عندهم بالشرطي المنفصل. ومقصودهم من ذكر تلك الأوصاف المتنافية هم أنْ يستدلوا بوجود بعضها على عدم بعضها، أو بعدمه على ووجوده، وهذا هو المعبر عنه عندهم (بالاستثناء في الشرطي المنفصل) وحرف الاستثناء عندهم هو (لكن) والتنافي المذكور بين الأوصاف المذكورة يحصره العقل في ثلاثة أقسام: لأنه إما أن يكون في الوجود والعدم معًا، أو الوجود فقط، أو العدم فقط، ولا رابع البتة.
فإن كان في الوجود والعدم معًا فهي عندهم الشرطية المنفصلة المعروفة بالحقيقية، وهي مانعة الجميع والخلو معًا، ولا تتركب إلا من النقيضين، او من الشيء ومساوي نقيضه وضابطها أن طرفيها لا يجتمعان معًا ولا يرتفعان معًا. بل لابد من وجود أحدهما وعدم الآخر، وعدم اجتماعها لما بينهما من المنافرة والعناد في الوجود، وعدم ارتفاعهما لما بينهم في العدم، وضروبها الأربعة منتجة، كما لو قلت: العدد إما زوج أنتج فهو فرد.
ولو قلت: لكنه غير فرد أنتج فهو زوج. وضابط قياسها أنه يرجع إلى الاستدلال بعدم النقيض، أو مساوية على وجود النقيض، أو مساوية كعكسه.
وإن كان التنافر والعناد بين طرفيها في الوجود فقط- فهي مانعة الجمع المجوزة للخلو، ولا يلزم فيها خصر الأوصافن ولا تتركب إلا من قضية وأخص من نقيضها، وضابطها: أن طرفيها لا يجتمعان لما بينهما من المنافرة والعناد في الوجود، ولا مانع من ارتفاعهما لعدم العناد والمنافرة بينهما في العدم، ومانعة الجمع المذكورة ينتج من قياسها ضربان، ويعقم منه ضربان. ومثالها قولك: الجسم إما أبيض، وإما أسود، فإن استثناء عين كل واحد من الطرفين ينتج نقيض الآخر. بخلاف استثناء نقيض أحدهما فلا ينتج شيئًا. فلو قلت: الجسم إما أبيض، وإما أسود لكنه أبيض، أنتج فهو غير أسود. وإن قلت: لكنه أسود أنتج فهو غير أبيض. بخلاف ما لو قلت: لكنه غير أبيض فلا ينتج كونه أسود. لأن غير الأبيض صادق بالأسود وغيره. وكذلك لو قلت: لكنه غير أسود فلا يتنج كونه أبيض لصدق غير الأسود بالأبيض وغيره، فلا مانع من انتفاء الطرفين وكون جسم غير ابيض وغير أسود. لأن مانعة الجميع تجوز الخلو منالطرفين بأن يكونا معدومين معًا. وإنما جاز فيها الخلو من الطرفين معًا لواحد من سببين.
الأول- وجود واسطة أخرى غير كرفي القضية المذكورة. فقولنا في المثال السابق: الجسم إما أبيض، وإما أسود يجوز فيه الخلو عن البياض والسواد لوجوده واسطة أخرى من الألوان غير السواد والبياض. كالحمرة والصفرة مثلًا. فالجسم الأحمر مثلًا غير ابيض ولا أسود.
السبب الثاني- ارتفاع المحل، كقولك: الجسم إما متحرك أو ساكن، فإنه إن إنعدم بعض الأجسام الني كانت موجودة ورجع إلى العدم بعد الوجود فإنه يرتفع عنه كل من طرفي القضيةالمذكورةن فلا يقال للمعدوم: هو ساكن ولا متحرك، لأن المعدوم ليس بشيء، بدليل قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9]، وقوله: {أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 68].
وإن كان العناد والمنافرة بين طرفيها في العدم فقط- فهي مانعة الخلو المجوزة للجمع. وهي عكس التي ذكرنا قبلها تصورًا وإنتاجًا، ولا تتركب إلا من قضية وأعم من نقيضها. وضابطها- أن طرفيها لا يرتفعان لما بينهما منالمنافرة والعناد في العدم، ولا مانع من اجتماعهما لعدم المنافرة والعناد بينهما في الوجود. ومثالها: الجسم إما غير أبيض، وإما غير أسود، فإن هذا المثال قد يجتمع فيه الطرفان فلا مانع من وجود جسم موصوف بأنه غير أبيض وغير أسود، كالأحمر فإنه غير أبيض وغير أسود، ولكنه لا يمكن بحال وجود جسم خالٍ من طرفي هذه القضية التي مثلنا بها، فيكو خاليًا من كونه غير ابيض وغير أسود.
لأنك إذا نفيت غير أبيض أثبت أنه أبيض، لأنه نفي النفي إثبات. وإذا أثبت أنه أبيض استحال ارتفاع الطرف الثاني الذي هو غير الأسود لأن الأبيض موصوف ضرورة بأنه غير أسود، وهكذا في الطرف الآخر. لأنك إذا نفيت غير اسود أثبت أنه أسود، وإذَا أثبت أنه أسود لزم ضرورة أنه غير أبيض، وهو عين الآخر من طرفي القضية المذكورة، وقياس هذه ينتج منه الضربان العقيمان في قياس التي قبلها، ويعقم منه الضربان المنتجان في قياس التي قبلها. فتبين أن استثناء نقيض كل واحد من الطرفين في قياس هذه الأخيرة ينتج عين الآخر، وأن استثناء عين الواحد منهما لا ينتج شيئًا.
فقولنا في المثال السابق: الجسم إما غير أبيض وإما غير أسود لو قلت فيه لكنه أبيض أنتج، فهو غير أسود. ولو قلت: لكنه أسود أنتج فهو غير أبيض، بخلاف ما لو قلت: لكنه غير أبيض فلا ينتج نفي الطرَف الآخر ولا وجوده، لأن غير الأبيض يجوز أن يكون أسود، ويجوز أن يكون غير أسود بل أحمر أو اصفر. وكذلك لو قلتك لكنه غير أسود لم يلزم منه نفي الطرف الآخر ولا إثباته، لأن غير الأسود يجوز أن يكون ابيض وغير أبيض لكونه أحمر مثلًا- هذه خلاصة موجزة عن هذا الدليل المذكور في نظر المنطقيين.
المسألة الخامسة:
اعلم أن لهذا الدليل آثارًا تاريخية، وسنذكر هنا إن شاء الله بعضها.
فمن ذلك- أن هذا الدليل العظيم جاء في التاريخ: أنه أول سبب لضعف المحنة العظمى على المسلمين في عقائدهم بالقول بخلق القرآن العظيم. وذلك أن محنة القول بخلق القرآن نشأت في أيام المأمون، واستفحلت جدًا في ايام المعتصم، واستمرت على ذلك في أيام الواثق. وهي في جميع ذلك التاريح قائمة على ساق وقدم.
ومعلوم ما وقع فيها من قتل بعض أهل العلم الأفاضل وتعذيبهم، واضطرار بعضهم إلى المداهنة بالقول خوفًا.
ومعلوم ما وقع فيها لسيد المسلمين في زمنه (الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل) تغمده الله برحمته الواسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا من الضرب المبرح أيام المعتصم. وقد جاء أن أول مصدر تاريخي لضعف هذه المحنة وكبح جماحها هو هذا الدليل العظيم.
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في الكلام على ترجمة (أحمد بن أبي دَؤَاد): أخبرنا محمد بن الفرج بن علي البزار، أخبرنا عبد الله بن إبراهيم بن ماسين حدثنا جعفر بن شعيب الشاشي، حدثني محمد بن يوسف الشاشي، حدثني إبراهيم بن منبه قال: سمعت طاهر بن خلف يقول: سمعت محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله يقول: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلًا احضرنا ذلك المجلس، فأتى الشيخ مخضوب مقيد فقال ابي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه (يعني ابن أبي دؤاد) قال: فأدخل الشيخ والواثق في مصلاة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال به: لا سلم الله عليك! فقال: أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك! قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء: 86] والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها. فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين. فقال له: سل: فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال مخلوق: فقال: هذا شيء عَلِمه النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون؟ أم شيء لم يعلَموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال سبحان الله! شيء لم يعلمه النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت!؟ قال: فخجل. فقال: اقلني والمسألة بحالها. قال نعم. قال: ما تقول في القرآن؟ فقال مخلوق. فقال شيء علمه النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر والخلفاء الراشدون أو لم يعلموه؟ فقال: علموه ولم يدعوا الناس إليه قال: أفلا وسعك ما وسعهم!؟ قال: ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت! سبحان الله! شيء علمه النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟؟ ثم دعا عمارًا الحاجب، فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داؤد، ولم يمتحن بعد ذلك أحدًا. اهـ. منه. وذكر ابن كثير في تاريخه هذه القصة عن الخطيب البغدادي، ولما انتهى من سياقها قال: ذكره الخطيب في تاريخه بإسناد فيه بعض من لا يعرف اهـ.